طه حسين.. التعليم والثقافة الآن

مادة اعلانية

أحمد الخميسي
أحمد الخميسي
أديب مصري

يكاد كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر 1938 أن يكون حديثا عن واقع التعليم الراهن الآن، بل وحتى عن امتحانات الثانوية العامة التي تجري حاليا. 

في حينه تفاءل طه حسين بتوقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا وما اشتملت عليه من سحب بريطانيا قواتها من مصر ما عدا الضروري منها لحماية القناة، وفي خضم ذلك التفاؤل كتب طه حسين كتابه الشهير الذي رأى فيه أن" التعليم مستقر الثقافة"، وفيه يفرد طه حسين للتعليم أربعين مقالا من بين 59 مقالا، يتناول فيها حتى مشكلة ازدحام الفصول بالتلاميذ، والتعليم الديني، والتربية البدنية في المدارس وحقوق المعلم، وأيضا تيسير الامتحانات العامة، من دون أن يترك صغيرة أو كبيرة في ذلك المجال. 

تتجدد صورة الكاتب العظيم في خاطري مع امتحانات الثانوية العامة الحالية، وخوف الطلاب منها الذي وصل إلى حد انتحار طالب في إحدى قرى بنى مزار خوفا من الامتحانات التي اشتملت على أسئلة غريبة مثل: " ما جمع كلمة رحيم؟" و "ما مرادف كلمة " عاقبة". 

وبذلك الصدد يقول طه حسين:" إن مشكلة الامتحان في مصر قد أصبحت خطرا على التعليم والأخلاق والسياسة". 

ويطرح طه حسين قضية التعليم بصفته جزءا من الاستقلال الوطني للبلاد قائلا:" نريد هذا الاستقلال العقلي والنفسي الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والفني والأدبي"، ويمضي من ذلك إلى القول بأنه :" ليست حاجة الشعب إلى التعليم بأقل من حاجته إلى الدفاع الوطني المتين.. فالشعب ليس معرضا للخطر الذي يأتيه من خارج فحسب.. ولكنه معرض للخطر الذي يأتيه من داخل حين يفتك الجهل بأخلاقه ومرافقه". 

ويتطرق المفكر الكبير إلى قضية غاية في الأهمية ألا وهي ما يدعو إليه البعض من  ربط التعليم بالمنفعة المادية التي قد تعود منه على المتعلمين متسائلا:" فهل من الحق أن أزمة البطالة قد وجدت في مصر بحيث تحمل الكثيرين على أن يضيقوا بنشر التعليم العام؟ وهل من الحق أن مناصب الدولة نفسها تضيق بالموظفين وأن الشباب الذين يخرجون من الجامعة مضطرون إلى البطالة؟.. وفي الأرض أمم راقية وقد عرفت قبلنا أزمة البطالة للشباب المتعلمين ولكني لا أعرف أمة واحدة فكرت في أن تعالجها بتضييق التعليم". ويضيف: " إن أزمة البطالة لن تعالج بإكراه الشعب على الجهل". 
يرفض طه حسين ربط التعليم بالنفع المادي المترتب عليه، أو بما قد يجلبه أو لا يجلبه من مال على المتعلم، لأن التعليم عنده ركن أساسي من الأمن القومي والاستقلال الوطني، لا يتصل بالمكاسب المالية من عدمها، ويضيف:" وإلى الدولة وحدها يجب أن توكل شئون التعليم كلها في مصر"، ليكون هناك منهج واحد ينشيء وجدانا قوميا مشتركا. 

ويتطرق طه حسين بطبيعة الحال إلى مفهوم الثقافة وتحديدا ثقافتنا، التي يرى أنها تأثرت أكثر ما تأثرت بثقافة الشرق القريب، يعني اليونان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، بينما لم يتم ذلك بين ثقافتنا المصرية وثقافات الشرق البعيد: اليابان والصين والهند وغيرها، ويوصي بإن علينا أن نواصل تلك العلاقة بدأب واهتمام، خاصة إذا تذكرنا أننا أخذنا من الغرب معظم ما لدينا من نظم، المسرح، والأشكال الفنية، وحتى نظم الحكم مثل الوزارة، ورئيس الوزراء، والبرلمان، وايضا نظام المحاكم، ولم يكن العرب ولا المصريون يعرفون ذلك قبل احتكاكهم القوي بالحضارة الأوربية وحضارات الشرق القريب. ومازال صوت ذلك المفكر العظيم يفد إلينا كأنه يقرأ حياتنا الآن

مقالات الكاتب

هل تعرفون الحزن؟ الحزن المرهق الذي ينوء به القلب؟ هل تعلمون ما هو الألم؟ الألم الكظيم الذي يترك في النفس بقعا كالمرض؟ هل كابدتم الشوق؟ شوق صبي صغير لم يتعد التاسعة لأبيه؟ لوجه أبيه؟ لكفه الثقيلة؟ للحديث معه؟ هل جربتم الشوق ؟ هذا الشوق؟

2024 أغسطس 28

يكاد كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر 1938 أن يكون حديثا عن واقع التعليم الراهن الآن، بل وحتى عن امتحانات الثانوية العامة التي تجري حاليا. 

جمعتني جلسة مع بعض الأصدقاء كان من بينهم أدباء عرب. ولا أذكر عما كنا نتحدث حين مازحت أحدهم بقولي: " أنت معصلج ليه؟"، فالتفتت إلي روائية عربية وقالت ضاحكة باستنكار لطيف: " نحن نحب العامية المصرية لكن أنتم أحيانا تخترعون كلاما عجيبا. مثلا ما معنى معصلج هذه؟ "! صوب الآخرون أنظارهم إلينا بترقب.

خطر لي أنه حتى الكراهية تحتاج إلى الوعى. خطر لي ذلك عندما طالعت ما وضعته الزميلة الصحفية وفاء نبيل على صفحتها في فيس بوك من أن شخصا كتب لها يقول:" فإذا كنتم تكرهون الغرب إلى هذه الدرجة فالقوا إذن بالموبايلات التي في أياديكم ولا تستخدموها".