لا منتصر في الحرب
مادة اعلانية


لم نجد أي إشارة لانتهاء الصراعات الدموية وأعمال العنف مع الذكرى الأولى للجولة الجديدة من الاشتباكات بين فلسطين وإسرائيل، ومن الممكن أن نصفها "حرب الشرق الأوسط السادسة" نظرا لطبيعة الاشتباكات وحجمها وتأثيرها. شهدت الصراعات تجديد أساليبها وتوسيع نطاقها باستمرار، ويخوض "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في مواجهة عسكرية مع إسرائيل والولايات المتحدة، مع الاستخدام المتكرر للوسائل التكنولوجية الجديدة مثل الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي والانحدار المستمر للأخلاق الدولية، حيث أصبح النظام الدولي عاجزا عن كبح جماح العنف وحل المشاكل، مما يدل على التراجع الخطير في العلاقات الدولي والحوكمة العالمية.
إن الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي في حد ذاته هما نتائج تفكك الإمبراطورية العثمانية والاستعمارية والإمبريالية الغربيتين بالإضافة إلى سلسلة من الترتيبات الفاشلة في الشرق الأوسط من قبل النظام العالمي القديم، ولا يمكن فصلهما عن سيطرة القوى العالمية مثل المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كما تتشابك الصراعات مع الصراعات العرقية والدينية المعقدة والنزاعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
تعد الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي استمرارا للتاريخ، لكنها أظهرت تعقيدا وخصائص جديدة تختلف عن ما حدث في الماضي، حيث تحولت من صراعات بين الدول العربية وإسرائيل إلى الصراعات بين إسرائيل و"محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وبغض النظر عن مدى تعقيد هذا الصراع، فهو بلا شك مأساة سياسية ليس لها منتصر. لقد أدت صواريخ حماس إلى إعادة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مركز الاهتمام السياسي في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، لكنها فرضت ثمنا باهظاً على غزة والضفة الغربية ككل، ومن المرجح أن يكون الوضع في غزة والضفة الغربية أسوأ مما كانت قبل عام، وأكثر سلبية في المستقبل. تتمتع إسرائيل بتفوق عسكري مطلق، لكنها فشلت في تحقيق هدفيها الرئيسيين المتمثلين في إنقاذ الرهائن والقضاء على حماس، كما تكبدت خسائر فادحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووقعت نفسها العزلة الدولية.
والأهم من ذلك هو أن العالم العربي والإسلامي يبتعد أكثر فأكثر عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى الرغم من استمرار الدول العربية الإسلامية في التعبير عن الإدانة والمعارضة ضد إسرائيل، إلا أن معظم الدول ظلت مقيدة نسبيا ولم تتمكن من تشكيل قوة مشتركة لمواجهة إسرائيل نظرا للعلاقات السياسية والاقتصادية معها، ولم تعتمد العقوبات الاقتصادية والحظر النفطي وغيرها من الوسائل التي استخدمتها في السابق. ولعل الأمر الجيد الوحيد للعام الماضي هو أن الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تعكس بالوضوح الخسارة المستمرة للهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط والعالم بأكمله.