مادة اعلانية
كشفت بيانات رسمية صادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن القوة الشرائية للدولار الأميركي واصلت تراجعها التاريخي لتصل في سبتمبر 2025 إلى مستوى 30.8 نقطة، وفق مؤشر القوة الشرائية المُعدّل، ما يعني أن الدولار اليوم لا يشتري سوى نحو 3% مما كان يشتريه في عام 1913، العام الذي شهد تأسيس البنك المركزي الأمريكي.
ويُعد هذا التآكل في القيمة نتيجة تراكمات امتدت أكثر من قرن، وشملت حروباً عالمية، وصدمات طاقوية، وتحولات هيكلية عميقة في النظام النقدي الدولي.
وتشير السجلات التاريخية إلى أن المؤشر كان عند 1000 نقطة في 1913، ثم بدأ انحداره خلال الحرب العالمية الأولى، ليصل إلى 638 نقطة بحلول 1942.
لكن الانخفاض الأشد حدّة جاء في سبعينيات القرن الماضي، حين هبط المؤشر من 243 نقطة في 1972 إلى أقل من 128 نقطة بحلول 1980، مدفوعًا بصدمة النفط العالمية وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة.
وكان منعطفًا جوهريًا في هذا المسار هو قرار الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1971 بإنهاء ارتباط الدولار بالذهب، ما أنهى نظام "بريتون وودز" وأطلق العنان للطباعة النقدية غير المرتبطة بأصول فعلية، ما فتح الباب أمام سياسات نقدية توسعية متكررة.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي نما بشكل كبير خلال العقود الماضية، فإن توسع الكتلة النقدية فاق في كثير من الفترات نمو الإنتاج الحقيقي، ما أدى إلى تآكل متواصل في قيمة العملة.
ويرتبط كل انخفاض حاد في مؤشر القوة الشرائية تقريبًا بحدث اقتصادي أو سياسي كبير: من الحروب، إلى أزمات الطاقة، إلى برامج التحفيز النقدي التي تضاعفت خلال الأزمات المالية وفترة الجائحة.
واليوم، ومع تداول أكثر من 2.5 تريليون دولار خارج النظام المصرفي الرسمي، يُنظر إلى التضخم ليس كظاهرة طارئة، بل كأداة ضمنية في إدارة الديون العامة وتمويل الإنفاق الحكومي.
ويطرح هذا التراجع المستمر تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدولار كعملة احتياط عالمية، خصوصًا في عالم يشهد تسارعًا في رقمنة العملات، وصعود قوى اقتصادية جديدة، وتراجع ثقة البعض في الاستقرار النقدي طويل الأمد.
فالمستهلك الأميركي، الذي يعاني اليوم من ارتفاع تكاليف المعيشة، لا يدفع ثمن التضخم الحالي فحسب، بل يدفع أيضًا ثمن قرن كامل من سياسات نقدية جعلت من الورقة الخضراء عملة "مرنة"، لكنها في المقابل فقدت جوهر استقرارها الشرائي.